سورة ص - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


قوله عز وجل: {إذ عُرِض عليه بالعشي الصافنات الجياد} الخيل وفيه وجهان:
أحدهما: أن صفونها قيامها ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سره أن يقوم الرجال له صفوفاً فليتبوأ مقعده من النار» أي يديمون له القيام حكاه قطرب وأنشد قول النابغة:
لنا قبة مضروبة بفنائها *** عتاق المهاري والجياد الصوافن
الثاني: أن صفونها رفع احدى اليدين على طرف الحافر حتى تقوم على ثلاث كما قال الشاعر:
ألف الصفون فما يزل كأنه *** مما يقوم على الثلاث كسيرا
وفي {الجياد} وجهان:
أحدهما: أنها الطوال العناق مأخوذ من الجيد وهو العنق لأن طول أعناق الخيل من صفات فراهتها.
الثاني: أنها السريع، قاله مجاهد واحدها جواد سمي بذلك لأنه يجود بالركض.
قوله عز وجل: {فَقَالَ إِني أحببت حُبَّ الخَيْرِ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني حب المال، قاله ابن جبير والضحاك.
الثاني: حب الخيل قاله قتادة والسدي. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» وفي قراءة ابن مسعود: حب الخيل.
الثالث: حب الدنيا، قاله أسباط.
وفي {أحببت حب الخير} وجهان:
أحدهما: أن فيه تقديماً وتأخيراً تقديره: أحببت الخير حباً فقدم، فقال: أحببت حب الخير ثم أضاف فقال أحب الخير، قاله بعض النحويين.
الثاني: أن الكلام على الولاء في نظمه من غير تقديم ولا تأخير، وتأويله: آثرت حب الخير.

{عَن ذِكر ربي} فيه وجهان:
أحدهما: عن صلاة العصر، قاله علي رضي الله عنه.
الثاني: عن ذكر الله تعالى، قاله ابن عباس.
وروى الحارث عن علي كرم الله وجهه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة الوسطى فقال: «هي صلاة العصر التي فرط فيها نبي الله سليمان عليه السلام».

{حتى توارت بالحجاب} فيه قولان:
أحدهما: حت توارت الشمس بالحجاب، والحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق، قاله قتادة وكعب.
الثاني: توارت الخيل بالحجاب أي شغلت بذكر ربها إلى تلك الحال، حكاه ابن عيسى.
والحجاب الليل يسمى حجاباً لأنه يستر ما فيه.
قوله عز وجل: {رُدُّوها عليَّ} يعني الخيل لأنها عرضت عليه فكانت تجري بين يديه فلا يستبين منها شيء لسرعتها وهو اللهم أغضَّ بصري، حتى غابت الحجاب ثم قال ردوها عليّ.
{فطفق مسحاً بالسوق والأعناق} فيه قولان:
أحدهما: أنه من شدة حبه لها مسح عراقيبها وأعناقها، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه لما رآها قد شغلته عن الصلاة ضرب عراقيبها وأعناقها، قاله الحسن وقتادة.
ولم يكن ما اشتغل عنه من الصلاة فرضاً بل كان نفلاً لأن ترك الفرض عمداً فسق، وفعل ذلك تأديباً لنفسه. والخيل مأكولة اللحم فلم يكن ذلك منه إتلافاً يأثم به.
قال الكلبي: كانت ألف فرس فعرقب تسعمائة وبقي منها مائة. فما في أيدي الناس من الخيل العتاق من نسل تلك المائة.


قوله عز وجل: {ولقد فتنا سُليمان} فيه وجهان:
أحدهما: يعني ابتليناه قاله السدي.
الثاني: عاقبناه، حكاه النقاش.
وفي فتنته التي عوقب بها ستة أقاويل:
أحدهما: أنه كان قارب بعض نسائه في بعض الشيء من حيض أو غيره قاله الحسن.
الثاني: ما حكاه ابن عباس قال كانت لسليمان امرأة تسمى جرادة وكان بين أهلها وبين قوم خصومة فاختصموا إلى سليمان ففصل بينهم بالحق ولكنه ود أن الحق كان لأهلها فقيل له إنه سيصيبك بلاء فجعل لا يدري أمن الأرض يأتيه البلاء أم من السماء.
الثالث: ما حكاه سعيد بن المسيب أن سليمان احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد ولم ينصف مظلوماً من ظالم فأوحى الله تعالى إليه إني لم أستخلفك لتحجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم.
الرابع: ما حكاه شهر بن حوشب أن سليمان سبى بنت ملك غزان في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون، فألقيت عليه محبتها وهي معرضة عنه تذكر أمر أبيها لا تنظر إليه إلا شزراً ولا تكلمه إلا نزراً، ثم إنها سألته أن يضع لها تمثالاً على صورته فصنع لها فعظمته وسجدت له وسجد جواريها معها، وصار صنماً معبوداً في داره وهو لا يعلم به حتى مضت أربعون يوماً وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره وحرقه ثم ذراه في الريح.
الخامس: ما حكاه مجاهد أن سليمان قال لآصف الشيطان كيف تضلون الناس؟ فقال له الشيطان أعطني خاتمك حتى أخبرك، فأعطاه خاتمه فألقاه في البحر حتى ذهب ملكه.
السادس: ما حكاه أبان عن أنس أن سليمان قال ذات ليلة: والله لأطوفن على نسائي في هذه الليلة وهن ألف امرأة كلهن تشتمل بغلام، كلهم يقاتل في سبيل الله، ولم يستثن. قال أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفس محمد بيده لو استثنى لكان ما قال» فما حملت له تلك الليلة إلا امرأة واحدة فولدت له شق إنسان.

{وألقينا على كُرْسيِّه جسداً} فيه قولان:
أحدهما: معناه وجعلنا في ملكه جسداً، والكرسي هو الملك.
الثاني: وألقينا على سرير ملكه جسداً.

وفي هذا (الجسد) أربعة أقاويل:
أحدها: أنه جسد سليمان مرض فكان جسده ملقى على كرسيه، قاله ابن بحر.
الثاني: أنه ولد له ولد فخاف عليه فأودعه في السحاب يغذى في اليوم كالجمعة، وفي الجمعة كالشهر وفي الشهر كالسنة، فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتاً، قاله الشعبي.
الثالث: أنه أكثر من وطء جواريه طلباً للولد، فولد له نصف إنسان، فهو كان الجسد الملقى على كرسيه، حكاه النقاش.
الرابع: أن الله كان قد جعل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا أجنب أو ذهب للغائط خلعه من يده ودفعه إلى أوثق نسائه حتى يعود فيأخذه، فدفعه مرة إلى بعض نسائه وذهب لحاجته فجاء شيطان فتصور لها في صورة سليمان فطلب الخاتم منها فأعطته إياه، وجاء سليمان بعده فطلبه، فقالت قد أخذته فأحس سليمان.
واختلف في اسم امرأته هذه على قولين:
أحدهما: جرادة، قاله ابن عباس وابن جبير.
الثاني: الأمينة، قاله شهر بن حوشب.
وقال سعيد بن المسيب: كان سليمان قد وضع خاتمه تحت فراشه فأخذه الشيطان من تحته. وقال مجاهد: بل أخذه الشيطان من يده لأن سليمان سأل الشيطان كيف تضل الناس؟ فقال الشيطان: أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه خاتمه، فلما أخذ الشيطان الخاتم جلس على كرسي سليمان متشبهاً بصورته داخلاً على نسائه، يقضي بغير الحق ويأمر بغير صواب. واختلف في إصابته النساء، فحكي عن ابن عباس: أنه كان يأتيهن في حيضهن. وقال مجاهد: منع من إتيانهن، وزال عن سليمان ملكه فخرج هارباً إلى ساحل البحر يتضيف الناس ويحمل سموك الصيادين بالأجرة، وإذا أخبر الناس أنه سليمان أكذبوه، فجلس الشيطان على سريره، وهو معنى قوله تعالى وألقينا على كرسيه جسداً.
واختلف في اسم هذا الشيطان على أربعة أقاويل:
أحدها: أن اسمه صخر، قاله ابن عباس.
الثاني: آصف، قاله مجاهد.
الثالث: حقيق، قاله السدي.
الرابع: سيد، قاله قتادة.
ثم إن سليمان بعد أن استنكر بنو إسرائيل حكم الشيطان أخذ حوته من صياد قيل إنه استطعمها، وقال ابن عباس أخذها أجراً في حمل حوت حمله، فلما شق بطنه وجد خاتمه فيها، وذكل بعد أربعين يوماً من زوال ملكه عنه، وهي عدة الأيام التي عُبد الصنم في داره. قاله مقاتل وملك أربعين سنة، عشرين سنة قبل الفتنة وعشرين بعدها. وكانت الأربعون يوماً التي خرج فيها عن ملكه ذا القعدة وعشراً من ذي الحجة، فسجد الناس له حين عاد الخاتم إليه وصار إلى ملكه.
وحكى يحيى بن أبي عمرو الشيباني أن سليمان وجد خاتمه بعسقلان فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعاً لله.
قال ابن عباس: ثم إن سليمان ظفر بالشيطان فجعله في تخت من رخام وشده بالنحاس وألقاه في البحر. فهذا تفسير قوله تعالى {وألقينا على كرسيه جسداً}.

{ثم أناب} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ثم رجع إلى ملكه، قاله الضحاك.
الثاني: ثم أناب من ذنبه، قاله قتادة.
الثالث: ثم برأ من مرضه، قاله ابن بحر.
قوله عز وجل: {قال ربِّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ليكون ذلك معجزاً له يعلم به الرضا ويستدل به على قبول التوبة.
الثاني: ليقوى به على من عصاه من الجن، فسخرت له الريح حينئذٍ.
الثالث: لا ينبغي لأحد من بعدي في حياتي أن ينزعه مني كالجسد الذي جلس على كرسيه، قاله الحسن.
{إنك أنت الوهاب} أي المعطي، قال مقاتل: سأل الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده بعد الفتنة فزاده الله تعالى الريح والشياطين بعدما ابتلى، وقال الكلبي حكم سليمان في الحرث وهو ابن إحدى عشرة سنة، وملك وهو ابن اثنتي عشرة سنة.

قوله عز وجل: {فسخرنا له الريح} أي ذللناها لطاعته.
{تجري بأمره} يحتمل وجهين:
أحدهما: تحمل ما يأمرها.
الثاني: تجري إلى حيث يأمرها.

{رخاء} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: طيبة، قاله مجاهد.
الثاني: سريعة، قاله قتادة.
الثالث: مطيعة، قاله الضحاك.
الرابع: لينة، قاله ابن زيد.
الخامس: ليست بالعاصفة المؤذية ولا بالضعيفة المقصرة، قاله الحسن.

{حيث أصاب} فيه وجهان:
أحدهما: حيث أراد، قاله مجاهد وقال قتادة: هو بلسان هجر. قال الأصمعي: العرب تقول أصاب الصواب فأخطأ الجواب، أي أراد الصواب.
الثاني: حيث ما قصد مأخوذ من إصابة السهم الغرض المقصود.
قوله عز وجل: {والشياطين كلَّ بناءٍ وغواص} يعني سخرنا له الشياطين كل بناء يعني في البر، وغواص يعني في البحر على حليّه وجواهره.

{وآخرين مقرنين في الأصفاد} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: في السلاسل: قاله قتادة.
الثاني: في الأغلال، قاله السدي.
الثالث: في الوثاق، قاله ابن عيسى، قال الشاعر:
فآبُوا بالنهابِ وبالسبايا *** وأبنا بالملوك مُصَفّدينا
قال يحيى بن سلام: ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفرهم، فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم. ووجد على سور مدينة سليمان عليه السلام:
لو أن حيّاً ينال الخُلد في مهل *** لنال ذاك سليمان بن داوِد
سالت له العين عين القطر فائضة *** فيه ومنه عطاءٌ غير موصود
لم يبق من بعدها في الملك مرتقياً *** حتى تضمن رمْساً بعد أخدود
هذا التعْلَم أنّ الملك منقطع *** إلاّ من الله ذي التقوى وذي الجود

قوله عز وجل: {هذا عطاؤنا} في المشار إليه بهذا ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بتسخير الريح والشياطين.
فعلى هذا في قوله {فامنن أو أمسك بغير حساب} وجهان:
أحدهما: امنن على من شئت من الجن بإطلاقه، أو امسك من شئت منهم في عمله من غير حرج عليك فيما فعلته بهم، قاله قتادة والسدي.
الثاني: اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم.

{بغير حساب} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بغير تقدير فيما تعطي وتمنع حكاه ابن عيسى.
الثاني: بغير حرج، قاله مجاهد.
الثالث: بغير حساب تحاسب عليه يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
قال الحسن: ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان فإن الله تعالى يقول: {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب} وحكى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {هذا عطاؤنا} الآية. قال سليمان عليه السلام: أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا فلم نر شيئاً هو أفضل من خشية الله في الغيب والشهادة، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضا والغضب.
والقول الثاني: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً تقديره هذا عطاؤنا بغير حساب فامنن أو أمسك، فعلى هذا في قوله فامنن أو أمسك وجهان:
أحدهما: بغير جزاء.
الثاني: بغير قلة.
والقول الثالث: إن هذا إشارة إلى مضمر غير مذكور وهو ما حكي أن سليمان كان في ظهره ماء مائة رجل وكان له ثلاثمائة امرأته وسبعمائة سرية فقال الله تعالى {هذا عطاؤنا} يعني الذي أعطيناك من القوة على النكاح {فامنن} بجماع من تشاء من نسائِك {أو أمسك} عن جماع من تشاء من نسائِك. فعلى هذا في قوله بغير حساب وجهان:
أحدهما: بغير مؤاخذة فيمن جامعت أو عزلت.
الثاني: بغير عدد محصور فيمن استبحت أو نكحت. وهذا القول عدول من الظاهر إلى ادعاء مضمر بغير دليل لكن قيل فذكرته.


قوله عز وجل: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصبٍ وعذابٍ} قيل هو أيوب بن حوص بن روعويل وكان في زمن يعقوب بن إسحاق، وتزوج بنته إليا بنت يعقوب وكانت أمّه بنت لوط عليه السلام، وكان أبوه حوص ممن آمن بإبراهيم عليه السلام.
وفي قوله {مسني الشيطان} وجهان:
أحدهما: أن مس الشيطان وسوسته وتذكيره بما كان فيه من نعمة وما صار إليه من محنة، حكاه ابن عيسى.
الثاني: الشيطان استأذن الله تعالى أن يسلطه على ماله فسلطه، ثم أهله وداره فسلطه، ثم جسده فسلطه، ثم على قلبه فلم يسلطه، قال ابن عباس فهو قوله: {مسني الشيطان} الآية.
{بنصب وعذاب} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني بالنصب الألم وبالعذاب السقم، قاله مبشر بن عبيد.
الثاني: النصب في جسده، والعذاب في ماله، قاله السدي.
الثالث: أن النصب العناء، والعذاب البلاء.
قوله عز وجل: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشرابٌ} قال قتادة هما عينان بأرض الشام في أرض يقال لها الجابية. وفيهما قولان:
أحدهما: أنه اغتسل من إحداهما فأذهب الله تعالى ظاهر دائه وشرب من الأخرى فأذهب الله باطن دائه، قاله الحسن.
الثاني: أنه اغتسل من إحداهما فبرئ، وشرب من الأخرى فروي، قاله قتادة.
وفي المغتسل وجهان:
أحدهما: أنه كان الموضع الذي يغتسل منه، قاله مقاتل.
الثاني: أنه الماء الذي يغتسل به، قاله ابن قتيبة.
وفي مدة مرضه قولان:
أحدهما: سبع سنين وسبعة أشهر، قاله ابن عباس.
الثاني: ثماني عشرة سنة رواه أنس مرفوعاً.

قوله عز وجل: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} وفيما أصابهم ثلاثة أقويل:
أحدها: أنهم كانوا مرضى فشفاهم الله.
الثاني: أنهم غابوا عنه فردهم الله عليه، وهذا القولان حكاهما ابن بحر.
الثالث: وهو ما عليه الجمهور أنهم كانوا قد ماتوا.
فعلى هذا في هبتهم له ومثلهم معهم خمسة أقاويل:
أحدها: أن الله تعالى رد عليه أهله وولده ومواشيه بأعيانهم، لأنه تعالى أماتهم قبل آجالهم ابتلاء ووهب له من أولادهم مثلهم، قاله الحسن.
الثاني: أن الله سبحانه ردهم عليه بأعيانهم ووهب له مثلهم من غيرهم قاله ابن عباس.
الثالث: أنه رد عليه ثوابهم في الجنة ووهب له مثلهم في الدنيا، قاله السدي.
الرابع: أنه رد عليه أهله في الجنة، وأصاب امرأته فجاءته بمثلهم في الدنيا.
الخامس: أنه لم يرد عليه منهم بعد موتهم أحداً وكانوا ثلاثة عشرا ابناً فوهب الله تعالى له من زوجته التي هي أم من مات مثلهم فولدت ستة وعشرين ابناً، قاله الضحاك.
{رحمة منا} أي نعمة منا.
{وذكرَى لأولي الألباب} أي عبرة لذوي العقول.
قوله عز وجل: {وخُذْ بيدك ضِغْثاً فاضرب له ولا تحنثْ} كان أيوب قد حلف في مرضه على زوجته أن يضربها مائة جلدة.
وفي سبب ذلك ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما قاله ابن عباس أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب، فقال أداويه على أنه إذا برئ قال أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه قالت نعم، فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها.
الثاني: ما حكاه سعيد بن المسيب أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه به من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها.
الثالث: ما حكاه يحيى بن سلام أن الشيطان أغواها على أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة ليبرأ بها فحلف ليجلدنها فلما برئ أيوب وعلم الله تعالى بإيمان امرأته أمره رفقاً بها وبراً له يأخذ بيده ضغثاً.
وفيه سبعة أقاويل:
أحدها: أنه أشكال النخل الجامع لشماريخه، قاله ابن عباس.
الثاني: الأثل، حكاه مجاهد وقاله مجاهد.
الثالث: السنبل، حكاه يحيى بن سلام.
الرابع: الثمام اليابس، قاله سعيد بن المسيب.
الخامس: الشجر الرطب، قاله الأخفش.
السادس: الحزمة من الحشيش، قاله قطرب وأنشد قول الكميت:
تحيد شِماساً إذا ما العسيفُ *** بضِغثِ الخلاء إليها أشارا
السابع: أنه ملء الكف من القش أو الحشيش أو الشماريخ، قاله أبوعبيدة.
{فاضرب} فاضرب بعدد ما حلفت عليه وهو أن يجمع مائة من عدد الضغث فيضربها به في دفعة يعلم فيها وصول جميعها إلى بدنها فيقوم ذلك فيها مقام مائة جلدة مفردة.

{ولا تحنث} يعني في اليمين وفيه قولان:
أحدهما: أن ذلك لأيوب خاصة، قاله مجاهد.
الثاني: عام في أيوب وغيره من هذه الأمة، قاله قتادة. والذي نقوله في ذلك مذهباً: إن كان هذا في حد الله تعالى جاز في المعذور بمرض أو زمانة ولم يجز في غيره، وإن كان في يمين جاز في المعذور وغيره إذا اقترن به ألم المضروب، فإن تجرد عن ألم ففي بره وجهان:
أحدهما: يبر لوجود العدد المحلوف عليه.
الثاني: لا يبر لعدم المقصود من الألم.

{إنا وجدناه صابراً} يحتمل وجهين:
أحدهما: على الطاعة.
الثاني: على البلاء.
{نِعم العبد} يعني نعم العبد في صبره.
{إنه أوّاب} إلى ربه.
وفي بلائه قولان:
أحدهما: أنه بلوى اختبار ودرجة ثواب من غير ذنب عوقب عليه.
الثاني: أنه بذنب عوقب عليه بهذه البلوى وفيه قولان:
أحدهما: أنه دخل على بعض الجبابرة فرأى منكراً فسكت عنه.
الثاني: أنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع لم يطعمه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5